October 07 2009 18:00
كتب المفكر المصري المعروف فهمي هويدي مقالا مؤثرا عن فضيحة ابو مازن الاخيرة ... هذا نصه
الخبر الجيد أن لجنة دولية أثبتت أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب
فى عدوانها على غزة. أما الخبر البائس فإن القيادة الفلسطينية تدخلت
لإنقاذ إسرائيل من الفضيحة المجلجلة، وطلبت تأجيل التصويت على تقرير
الإدانة لمدة ستة أشهر
(1)
إن شئت فقل إنها فضيحة تم سترها بفضيحة أكبر. ذلك أنها
من المرات النادرة فى التاريخ التى يتطوع فيها القتيل لتمكين القاتل من
الإفلات من العقوبة رغم إدانته وقعت الواقعة فى جنيف يوم الجمعة الماضى
2/10، بعد أن قدم إلى مجلس حقوق الإنسان الدولى تقرير القاضى ريتشارد
جولدستون الذى عد أول وثيقة دولية شاملة أثبتت ارتكاب إسرائيل لقائمة
طويلة من جرائم الحرب أثناء عدوانها الأخير على غزة. كان القاضى جولدستون
قد عرض التقرير على المجلس يوم الاثنين 28/9، لمناقشة استمرت حتى يوم
الجمعة الذى كان يفترض أن يصدر فيه المجلس قراره بشأنه، وحسبما سمعت من
أحد الدبلوماسيين الذين حضروا الاجتماع فإن المجموعة العربية بما فيها
ممثل فلسطين كانت متحمسة للتقرير وراغبة فى إحالة القرار إلى الجمعية
العامة للأمم المتحدة، وبطبيعة الحال فإن الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا
رافضتين له
أما دول الاتحاد الأوروبى فقد كان متململة، حتى إن مندوب
السويد سأل أثناء المناقشة عن التداعيات التى يمكن أن يسقطها التقرير على
عملية السلام الجارية، مستدعيا بذلك الحسابات السياسية الخارجة عن اختصاص
المجلس، ومرددا الحجة الإسرائيلية التى تذرعت بأن من شأن تبنى التقرير أن
يصيب بالشلل جهود السلام الراهنة (التى نعرف مصيرها مقدما). طبقا للنظام
المعمول به فى المجلس فإن القرار الصادر عنه إما أن يتم بالتوافق بين
الأعضاء، وإذا تعذر ذلك فإنهم يحلون الإشكال بالتصويت عليه. ثم يرسلونه
بعد ذلك إلى الجمعية العامة (التى يتبعها المجلس) أو إلى مجلس الأمن.
وإزاء إدانة التقرير لقائمة طويلة من الممارسات الإسرائيلية فى غزة. ولبعض
ممارسات حكومة حماس بالقطاع، فقد كان مفهوما انزعاج إسرائيل وحلفائها منه،
لأنه يجرم أفعالها التى لم تتوقف عن القيام بها منذ عام 1948، لكنها ظلت
طوال تلك السنين بمنأى عن الإدانة والتنديد، محتمية فى ذلك بالتحيزات
الغربية التى ظلت تتستر عليها طوال الوقت
ويعد الذى حدث فى العدوان على غزة شاءت المقادير أن يتم اختيار
قاضٍ مشهود له بالنزاهة والكفاءة وله تاريخ فى تحرى جرائم الحرب برواندا
ويوغوسلافيا السابقة، هو ريتشارد جولدستون، ليرأس الفريق الذى تقصى حقائق
الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية التى ارتكبت فى القطاع. تصادف أن كان
القاضى يهوديا ومن جنوب أفريقيا. والصفة الأولى حصنته ضد زعم العداء
للسامية، وانتمائه. الثانى مكنه من أن يقف على حقيقة النظام العنصرى، بكل
ما يمثله من امتهان لكرامة البشر
هذه الخلفية مكنت الرجل من أن يعد تقريرا وافيا ورصينا فى 600
صفحة يتعذر الطعن فيه، إلا إذا أخذ عليه أنه كان أمينا فى ذكر الحقيقة.
وهو ما تجلى فى تصريح المتحدث باسم الخارجية البريطانية المنحازة تاريخيا
لإسرائيل، الذى وصف التقرير بأنه متوازن
(2)
الشائع أن صدور قرار الإدانة فى المجلس القومى لحقوق
الإنسان يسوغ تقديم كل القادة الإسرائيليين المسئولين عن الجرائم التى
ارتكبت فى غزة إلى المحكمة الجنائية الدولية، ويفتح الباب واسعا لملاحقتهم
حيثما ذهبوا خارج بلادهم. وهذا صحيح لا ريب، لكن الأمر يتجاوز هذه الحدود،
لأن من شأن قرار من هذا القبيل أن يلزم جميع الدول الغربية التى تقدم
مساعدات تسهم فى دعم الجهاز العسكرى الإسرائيلى بأن توقف تلك المساعدات.
(فى بريطانيا الآن قضية مرفوعة ضد الحكومة ادعت عليها بأنها قدمت أسلحة
لإسرائيل استخدمت فى العدوان على غزة). إضافة إلى ذلك فإن القرار يوفر
لمنظمات المجتمع المدنى فى أوروبا والولايات المتحدة سندا قانونيا قويا
للمطالبة بفك ارتباط بلادهم مع إسرائيل، فيما يخص الأنشطة العلمية
والأكاديمية التى تعزز القدرة العسكرية لإسرائيل باعتبارها دولة ثبت بحقها
ارتكاب جرائم ضد الإنسانية
كانت تلك أسبابا كافية ليس فقط لإزعاج إسرائيل، من حيث إنها
ترتب انتكاسة فى علاقاتها الخارجية، إلى جانب فضحها سياسيا وأخلاقيا،
ناهيك عما تسببه من حرج لأصدقائها الذين اعتادوا تغطية جرائمها، ولم يكن
مستغربا إزاء ذلك أن تمارس كل ما تملك من ضغوط وتستخدم ما بيدها من أوراق
لكى توقف إصدار قرار من جانب مجلس حقوق الإنسان. وفى حدود علمى فإن
الولايات المتحدة لعبت دورا رئيسيا فى ذلك. وأن إحدى الدول العربية ذات
الصلة الوثيقة بإسرائيل اشتركت فى ممارسة الضغوط على الفلسطينيين والعرب.
وكانت الحجة الرئيسية التى استخدمت هى أن من شأن صدور القرار وتأييد
المجموعة العربية له أن يفشل الجهود التى يبذلها الرئيس أوباما لمد الجسور
وتحقيق التسوية المنشودة. واستند أصحاب تلك الحجة فى ذلك إلى أن الرئيس
أوباما يمثل «فرصة» ينبغى عدم إهدارها. ومن شأن المضى فى التداعيات
المترتبة على إصدار قرار مجلس حقوق الإنسان أن تضيع تلك الفرصة
لم يكن ذلك كل ما فى الأمر، لأن إسرائيل ألقت فى وجه السلطة
الفلسطينية بقنبلة أخرى، حين أعلنت على لسان وزير خارجيتها أفيجدور
ليبرمان أن السلطة فى رام الله تطالب بمحاكمة إسرائيل على ما ارتكبته
قواتها فى الحرب على غزة، فى حين أنها من ضغط لكى تذهب إسرائيل فى حربها
إلى أبعد مدى لإسقاط حكم حماس فى القطاع. (جيروزاليم بوست ــ 25/9). وهذه
المعلومة أيدها تقرير نشرته صحيفة «الشروق» المصرية فى 4/10 حين نقلت عن
مصدر بمنظمة سياسية دولية فى غزة قوله إن إسرائيل لديها ما يثبت قيام جهاز
الأمن التابع للسلطة بتوفير معلومات لإسرائيل فى إطار التعاون الأمنى
الوثيق بين الجانبين حول نشاطات المقاومة فى غزة
هذه المعلومات ظهرت تصديقا للقول الشائع بأنه إذا اختلف
الشريكان ظهر المستور. ويبدو أن ما خفى كان أعظم، لأن الإسرائيليين هددوا
أيضا بإيقاف بعض المشروعات الاقتصادية التى تهم السلطة فى رام الله، وفى
مقدمتها عقد إقامة شركة اتصالات جديدة تخص ابن الرئيس أبومازن، رجل
الأعمال الكبير فى الضفة. مورست هذه الضغوط كلها على رئيس السلطة قبل وفى
أثناء اجتماعات جنيف، إلى أن حدثت المفاجأة أو الفضيحة الكبرى فى يوم
التصويت على القرار (الجمعة 2/10)، حين طلب المندوب الفلسطينى إبراهيم
خريشة تأجيل النظر فى القرار لدورة المجلس المقبلة فى شهر مارس من العام
المقبل، أى بعد ستة أشهر. وقالت صحيفة هاآرتس (عدد ٤ / ١٠) أن الرئيس
أبومازن هو من اتخذ قرار التأجيل بعد زيارة القنصل الأمريكى له يوم الخميس
١ / ١٠. علما بأن ٣٣ دولة من أصل ٤٧ عضوا كانت تعتزم الموافقة على التقرير
(3)
وقع الطلب الفلسطينى كان مدويا على جميع الأصعدة. إذ
قبلت السلطة بأن تغطى الموقف الإسرائيلى فتعرت تماما، إذ لم يخطر على بال
أحد أن تقدم السلطة على تعطيل وإجهاض تقرير يدافع عن شعب تدعى أنها تمثله.
وذلك هو المخيف فى الأمر لأن هذه السلطة بما فعلته لم تعد مؤتمنة على
مستقبل القضية ومصيرها
تعددت التسريبات من رام الله التى حاولت تبرير ما جرى. مرة
بالتلويح بالضغوط الأمريكية. ومرة بالإحالة إلى رئيس الوزراء سلام فياض
واتهامه بممارسة تلك الضغوط. ومرة ثالثة بالادعاء بأن ذلك موقف الحكومة
وليس موقف حركة فتح التى حاول متحدث باسمها أن يغسل أيدى الحركة من
الفضيحة. لكن ذلك كله لم يقنع أحدا، حتى بين أعضاء الحكومة أنفسهم. التى
استقال منها وزيرا الاقتصاد وشئون القدس احتجاجا على سياساتها، وقالت
وزيرة الشئون الاجتماعية: إن موقف السلطة ألحق أضرارا بالمصلحة العليا
للشعب الفلسطينى. فى الوقت ذاته، توالت الأصداء الأخرى فى الساحة
الفلسطينية، حيث أدانت 14 منظمة حقوقية موقف سلطة رام الله وتعالت الأصوات
فى غزة معتبرة ذلك الموقف «خيانة للشهداء وإهدارا لدمائهم» و«فضيحة سياسية
وأخلاقية» و«صفعة لضحايا العرب». وهو ما عبر عنه الكاتب والسياسى
الفلسطينى بلال الحسن بقوله: إن السلطة فى الضفة تسقط فى أوساط شعبها
أولا، ثم تسقط على صعيد مكانتها وسمعتها. حين تظهر كسلطة مطواعة أمام
الأوامر الأمريكية
هذا الاستنكار الفلسطينى كان له صداه فى أنحاء العالم العربى
الذى صدم لموقف السلطة. بل تجاوز حدود المنطقة حتى عبرت عنه منظمة العفو
الدولية «امنستى» التى أدانت تأجيل التصويت على التقرير وطالبت بتحويله
إلى مجلس الأمن
(4)
صادم ومفجع هذا الموقف حقا، لكن هل هو مفاجئ؟ ردى على
السؤال بالنفى. لأن تاريخ الصراع حين يكتب، سوف يكتشف كثيرون أن القيادة
الفلسطينية منذ انخرطت فى اللعبة السياسية فى مناخ الانكسار العربى الذى
عبرت عنه اتفاقية كامب ديفيد سنة 1979، فإنها ما برحت تقدم لإسرائيل
الهدايا المجانية. وهذه الهدايا جميعها صبت فى مجرى تآكل القضية من ناحية،
والتمكين لإسرائيل من ناحية أخرى. فقبل توقيع اتفاقية أوسلو فى عام 1993
وجه السيد ياسر عرفات رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى إسحاق رابين أيد
فيها اعتبار المقاومة «إرهابا» وتعهد بنبذه. وفى الاتفاق أخذت إسرائيل
الموافقة الفلسطينية الرسمية على شرعية الوجود والتمتع بالأمن دون مقابل،
سوى الاعتراف بمنظمة التحرير وبتمثيلها للشعب الفلسطينى. وبعد الاعتراف
مباشرة قامت إسرائيل بتحويل الأراضى المحتلة عام 1967 إلى منطقة متنازع
عليها، وعاثت فيها تهويدا واستيطانا. وكانت القيادة الفلسطينية هى التى
طلبت من الأمم المتحدة إلغاء قرارها السابق باعتبار الصهيوينة حركة عنصرية
وهى التى تجاهلت قرار محكمة العدل الدولية الخاص ببطلان الجدار
العازل والمستوطنات التى أقيمت على الأراضى المحتلة، وهى التى أسقطت فى
مفاوضاتها حق العودة للاجئين وقبلت بتبادل الأراضى. وهى التى قبلت بتجاهل
قرارات الأمم المتحدة والمرجعية الدولية، والاحتكام إلى خريطة الطريق
الأمريكية التى نصت فى أول بنودها على ضرورة تصفية المقاومة. وهى التى
دخلت فى شبكة التنسيق الأمنى مع الإسرائيليين ضد المقاومة الفلسطينية.
وبعدما اشتركت فى حصار غزة فإن ممثل السلطة عارض فى الجمعية العامة القرار
الذى قدمته قطر وإندونيسيا ودعا إلى اعتبار القطاع منطقة منكوبة. ثم إنها
لم تحرك ساكنا حين أبلغت بقرار الكنيست الإسرائيلى ببيع أراضى الفلسطينيين
وتملكيها لمن يشاء من يهود العالم، بالمخالفة الصارخة للقانون الدولى
هذه الخلفية التى قفزت بها فوق وقائع أخرى كثيرة تشى بشىء واحد
هو أن من كان هذا سجله لا يستكثر عليه أن يتواطأ مع الإسرائيليين فى حرب
غزة. أو أن يمنع إصدار قرار بإحالة جرائم الحرب التى ارتكبتها إسرائيل إلى
الأمم المتحدة. وإذا صح ذلك التحليل فمعناه أن ما جرى لم يكن منشئا لوضع
مشين فوجئ به الجميع. ولكنه ضبط متلبسا فى جنيف بارتكاب واقعة كاشفة له
منقول
كتب المفكر المصري المعروف فهمي هويدي مقالا مؤثرا عن فضيحة ابو مازن الاخيرة ... هذا نصه
الخبر الجيد أن لجنة دولية أثبتت أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب
فى عدوانها على غزة. أما الخبر البائس فإن القيادة الفلسطينية تدخلت
لإنقاذ إسرائيل من الفضيحة المجلجلة، وطلبت تأجيل التصويت على تقرير
الإدانة لمدة ستة أشهر
(1)
إن شئت فقل إنها فضيحة تم سترها بفضيحة أكبر. ذلك أنها
من المرات النادرة فى التاريخ التى يتطوع فيها القتيل لتمكين القاتل من
الإفلات من العقوبة رغم إدانته وقعت الواقعة فى جنيف يوم الجمعة الماضى
2/10، بعد أن قدم إلى مجلس حقوق الإنسان الدولى تقرير القاضى ريتشارد
جولدستون الذى عد أول وثيقة دولية شاملة أثبتت ارتكاب إسرائيل لقائمة
طويلة من جرائم الحرب أثناء عدوانها الأخير على غزة. كان القاضى جولدستون
قد عرض التقرير على المجلس يوم الاثنين 28/9، لمناقشة استمرت حتى يوم
الجمعة الذى كان يفترض أن يصدر فيه المجلس قراره بشأنه، وحسبما سمعت من
أحد الدبلوماسيين الذين حضروا الاجتماع فإن المجموعة العربية بما فيها
ممثل فلسطين كانت متحمسة للتقرير وراغبة فى إحالة القرار إلى الجمعية
العامة للأمم المتحدة، وبطبيعة الحال فإن الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا
رافضتين له
أما دول الاتحاد الأوروبى فقد كان متململة، حتى إن مندوب
السويد سأل أثناء المناقشة عن التداعيات التى يمكن أن يسقطها التقرير على
عملية السلام الجارية، مستدعيا بذلك الحسابات السياسية الخارجة عن اختصاص
المجلس، ومرددا الحجة الإسرائيلية التى تذرعت بأن من شأن تبنى التقرير أن
يصيب بالشلل جهود السلام الراهنة (التى نعرف مصيرها مقدما). طبقا للنظام
المعمول به فى المجلس فإن القرار الصادر عنه إما أن يتم بالتوافق بين
الأعضاء، وإذا تعذر ذلك فإنهم يحلون الإشكال بالتصويت عليه. ثم يرسلونه
بعد ذلك إلى الجمعية العامة (التى يتبعها المجلس) أو إلى مجلس الأمن.
وإزاء إدانة التقرير لقائمة طويلة من الممارسات الإسرائيلية فى غزة. ولبعض
ممارسات حكومة حماس بالقطاع، فقد كان مفهوما انزعاج إسرائيل وحلفائها منه،
لأنه يجرم أفعالها التى لم تتوقف عن القيام بها منذ عام 1948، لكنها ظلت
طوال تلك السنين بمنأى عن الإدانة والتنديد، محتمية فى ذلك بالتحيزات
الغربية التى ظلت تتستر عليها طوال الوقت
ويعد الذى حدث فى العدوان على غزة شاءت المقادير أن يتم اختيار
قاضٍ مشهود له بالنزاهة والكفاءة وله تاريخ فى تحرى جرائم الحرب برواندا
ويوغوسلافيا السابقة، هو ريتشارد جولدستون، ليرأس الفريق الذى تقصى حقائق
الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية التى ارتكبت فى القطاع. تصادف أن كان
القاضى يهوديا ومن جنوب أفريقيا. والصفة الأولى حصنته ضد زعم العداء
للسامية، وانتمائه. الثانى مكنه من أن يقف على حقيقة النظام العنصرى، بكل
ما يمثله من امتهان لكرامة البشر
هذه الخلفية مكنت الرجل من أن يعد تقريرا وافيا ورصينا فى 600
صفحة يتعذر الطعن فيه، إلا إذا أخذ عليه أنه كان أمينا فى ذكر الحقيقة.
وهو ما تجلى فى تصريح المتحدث باسم الخارجية البريطانية المنحازة تاريخيا
لإسرائيل، الذى وصف التقرير بأنه متوازن
(2)
الشائع أن صدور قرار الإدانة فى المجلس القومى لحقوق
الإنسان يسوغ تقديم كل القادة الإسرائيليين المسئولين عن الجرائم التى
ارتكبت فى غزة إلى المحكمة الجنائية الدولية، ويفتح الباب واسعا لملاحقتهم
حيثما ذهبوا خارج بلادهم. وهذا صحيح لا ريب، لكن الأمر يتجاوز هذه الحدود،
لأن من شأن قرار من هذا القبيل أن يلزم جميع الدول الغربية التى تقدم
مساعدات تسهم فى دعم الجهاز العسكرى الإسرائيلى بأن توقف تلك المساعدات.
(فى بريطانيا الآن قضية مرفوعة ضد الحكومة ادعت عليها بأنها قدمت أسلحة
لإسرائيل استخدمت فى العدوان على غزة). إضافة إلى ذلك فإن القرار يوفر
لمنظمات المجتمع المدنى فى أوروبا والولايات المتحدة سندا قانونيا قويا
للمطالبة بفك ارتباط بلادهم مع إسرائيل، فيما يخص الأنشطة العلمية
والأكاديمية التى تعزز القدرة العسكرية لإسرائيل باعتبارها دولة ثبت بحقها
ارتكاب جرائم ضد الإنسانية
كانت تلك أسبابا كافية ليس فقط لإزعاج إسرائيل، من حيث إنها
ترتب انتكاسة فى علاقاتها الخارجية، إلى جانب فضحها سياسيا وأخلاقيا،
ناهيك عما تسببه من حرج لأصدقائها الذين اعتادوا تغطية جرائمها، ولم يكن
مستغربا إزاء ذلك أن تمارس كل ما تملك من ضغوط وتستخدم ما بيدها من أوراق
لكى توقف إصدار قرار من جانب مجلس حقوق الإنسان. وفى حدود علمى فإن
الولايات المتحدة لعبت دورا رئيسيا فى ذلك. وأن إحدى الدول العربية ذات
الصلة الوثيقة بإسرائيل اشتركت فى ممارسة الضغوط على الفلسطينيين والعرب.
وكانت الحجة الرئيسية التى استخدمت هى أن من شأن صدور القرار وتأييد
المجموعة العربية له أن يفشل الجهود التى يبذلها الرئيس أوباما لمد الجسور
وتحقيق التسوية المنشودة. واستند أصحاب تلك الحجة فى ذلك إلى أن الرئيس
أوباما يمثل «فرصة» ينبغى عدم إهدارها. ومن شأن المضى فى التداعيات
المترتبة على إصدار قرار مجلس حقوق الإنسان أن تضيع تلك الفرصة
لم يكن ذلك كل ما فى الأمر، لأن إسرائيل ألقت فى وجه السلطة
الفلسطينية بقنبلة أخرى، حين أعلنت على لسان وزير خارجيتها أفيجدور
ليبرمان أن السلطة فى رام الله تطالب بمحاكمة إسرائيل على ما ارتكبته
قواتها فى الحرب على غزة، فى حين أنها من ضغط لكى تذهب إسرائيل فى حربها
إلى أبعد مدى لإسقاط حكم حماس فى القطاع. (جيروزاليم بوست ــ 25/9). وهذه
المعلومة أيدها تقرير نشرته صحيفة «الشروق» المصرية فى 4/10 حين نقلت عن
مصدر بمنظمة سياسية دولية فى غزة قوله إن إسرائيل لديها ما يثبت قيام جهاز
الأمن التابع للسلطة بتوفير معلومات لإسرائيل فى إطار التعاون الأمنى
الوثيق بين الجانبين حول نشاطات المقاومة فى غزة
هذه المعلومات ظهرت تصديقا للقول الشائع بأنه إذا اختلف
الشريكان ظهر المستور. ويبدو أن ما خفى كان أعظم، لأن الإسرائيليين هددوا
أيضا بإيقاف بعض المشروعات الاقتصادية التى تهم السلطة فى رام الله، وفى
مقدمتها عقد إقامة شركة اتصالات جديدة تخص ابن الرئيس أبومازن، رجل
الأعمال الكبير فى الضفة. مورست هذه الضغوط كلها على رئيس السلطة قبل وفى
أثناء اجتماعات جنيف، إلى أن حدثت المفاجأة أو الفضيحة الكبرى فى يوم
التصويت على القرار (الجمعة 2/10)، حين طلب المندوب الفلسطينى إبراهيم
خريشة تأجيل النظر فى القرار لدورة المجلس المقبلة فى شهر مارس من العام
المقبل، أى بعد ستة أشهر. وقالت صحيفة هاآرتس (عدد ٤ / ١٠) أن الرئيس
أبومازن هو من اتخذ قرار التأجيل بعد زيارة القنصل الأمريكى له يوم الخميس
١ / ١٠. علما بأن ٣٣ دولة من أصل ٤٧ عضوا كانت تعتزم الموافقة على التقرير
(3)
وقع الطلب الفلسطينى كان مدويا على جميع الأصعدة. إذ
قبلت السلطة بأن تغطى الموقف الإسرائيلى فتعرت تماما، إذ لم يخطر على بال
أحد أن تقدم السلطة على تعطيل وإجهاض تقرير يدافع عن شعب تدعى أنها تمثله.
وذلك هو المخيف فى الأمر لأن هذه السلطة بما فعلته لم تعد مؤتمنة على
مستقبل القضية ومصيرها
تعددت التسريبات من رام الله التى حاولت تبرير ما جرى. مرة
بالتلويح بالضغوط الأمريكية. ومرة بالإحالة إلى رئيس الوزراء سلام فياض
واتهامه بممارسة تلك الضغوط. ومرة ثالثة بالادعاء بأن ذلك موقف الحكومة
وليس موقف حركة فتح التى حاول متحدث باسمها أن يغسل أيدى الحركة من
الفضيحة. لكن ذلك كله لم يقنع أحدا، حتى بين أعضاء الحكومة أنفسهم. التى
استقال منها وزيرا الاقتصاد وشئون القدس احتجاجا على سياساتها، وقالت
وزيرة الشئون الاجتماعية: إن موقف السلطة ألحق أضرارا بالمصلحة العليا
للشعب الفلسطينى. فى الوقت ذاته، توالت الأصداء الأخرى فى الساحة
الفلسطينية، حيث أدانت 14 منظمة حقوقية موقف سلطة رام الله وتعالت الأصوات
فى غزة معتبرة ذلك الموقف «خيانة للشهداء وإهدارا لدمائهم» و«فضيحة سياسية
وأخلاقية» و«صفعة لضحايا العرب». وهو ما عبر عنه الكاتب والسياسى
الفلسطينى بلال الحسن بقوله: إن السلطة فى الضفة تسقط فى أوساط شعبها
أولا، ثم تسقط على صعيد مكانتها وسمعتها. حين تظهر كسلطة مطواعة أمام
الأوامر الأمريكية
هذا الاستنكار الفلسطينى كان له صداه فى أنحاء العالم العربى
الذى صدم لموقف السلطة. بل تجاوز حدود المنطقة حتى عبرت عنه منظمة العفو
الدولية «امنستى» التى أدانت تأجيل التصويت على التقرير وطالبت بتحويله
إلى مجلس الأمن
(4)
صادم ومفجع هذا الموقف حقا، لكن هل هو مفاجئ؟ ردى على
السؤال بالنفى. لأن تاريخ الصراع حين يكتب، سوف يكتشف كثيرون أن القيادة
الفلسطينية منذ انخرطت فى اللعبة السياسية فى مناخ الانكسار العربى الذى
عبرت عنه اتفاقية كامب ديفيد سنة 1979، فإنها ما برحت تقدم لإسرائيل
الهدايا المجانية. وهذه الهدايا جميعها صبت فى مجرى تآكل القضية من ناحية،
والتمكين لإسرائيل من ناحية أخرى. فقبل توقيع اتفاقية أوسلو فى عام 1993
وجه السيد ياسر عرفات رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى إسحاق رابين أيد
فيها اعتبار المقاومة «إرهابا» وتعهد بنبذه. وفى الاتفاق أخذت إسرائيل
الموافقة الفلسطينية الرسمية على شرعية الوجود والتمتع بالأمن دون مقابل،
سوى الاعتراف بمنظمة التحرير وبتمثيلها للشعب الفلسطينى. وبعد الاعتراف
مباشرة قامت إسرائيل بتحويل الأراضى المحتلة عام 1967 إلى منطقة متنازع
عليها، وعاثت فيها تهويدا واستيطانا. وكانت القيادة الفلسطينية هى التى
طلبت من الأمم المتحدة إلغاء قرارها السابق باعتبار الصهيوينة حركة عنصرية
وهى التى تجاهلت قرار محكمة العدل الدولية الخاص ببطلان الجدار
العازل والمستوطنات التى أقيمت على الأراضى المحتلة، وهى التى أسقطت فى
مفاوضاتها حق العودة للاجئين وقبلت بتبادل الأراضى. وهى التى قبلت بتجاهل
قرارات الأمم المتحدة والمرجعية الدولية، والاحتكام إلى خريطة الطريق
الأمريكية التى نصت فى أول بنودها على ضرورة تصفية المقاومة. وهى التى
دخلت فى شبكة التنسيق الأمنى مع الإسرائيليين ضد المقاومة الفلسطينية.
وبعدما اشتركت فى حصار غزة فإن ممثل السلطة عارض فى الجمعية العامة القرار
الذى قدمته قطر وإندونيسيا ودعا إلى اعتبار القطاع منطقة منكوبة. ثم إنها
لم تحرك ساكنا حين أبلغت بقرار الكنيست الإسرائيلى ببيع أراضى الفلسطينيين
وتملكيها لمن يشاء من يهود العالم، بالمخالفة الصارخة للقانون الدولى
هذه الخلفية التى قفزت بها فوق وقائع أخرى كثيرة تشى بشىء واحد
هو أن من كان هذا سجله لا يستكثر عليه أن يتواطأ مع الإسرائيليين فى حرب
غزة. أو أن يمنع إصدار قرار بإحالة جرائم الحرب التى ارتكبتها إسرائيل إلى
الأمم المتحدة. وإذا صح ذلك التحليل فمعناه أن ما جرى لم يكن منشئا لوضع
مشين فوجئ به الجميع. ولكنه ضبط متلبسا فى جنيف بارتكاب واقعة كاشفة له
منقول
الأحد يونيو 21, 2015 5:19 am من طرف الملهم
» اعترافات مثيرة لطباخ طليق حنان ترك المتهم بالشذوذ أمام النيابة
الأربعاء مايو 27, 2015 6:50 am من طرف jama
» اعترافات مثيرة لطباخ طليق حنان ترك المتهم بالشذوذ أمام النيابة
الأربعاء مايو 27, 2015 6:18 am من طرف jama
» تغريم فندق منع عريس من الإنضمام إلى غرفة عروسه وقام الأمن بإنتزاع هاتفه الجوال منه
الأربعاء مايو 27, 2015 6:15 am من طرف jama
» فيس بوك تبدأ بتقديم مراجعات نقدية للمطاعم على شبكتها الاجتماعية
الأربعاء مايو 27, 2015 6:13 am من طرف jama
» علا غانم: أنا “موززة” والشباب المصري محتاج يتربى
الأربعاء مايو 27, 2015 6:10 am من طرف البتراء
» بالصور: أحلام تفاجئ جمهورها بقصة شعرها الجديدة!
الأربعاء مايو 27, 2015 6:09 am من طرف البتراء
» قصيدة نهاية العالم
الأربعاء يوليو 23, 2014 5:25 pm من طرف محمود العياط
» قصيدة فضل المسلم
الأربعاء يوليو 23, 2014 5:22 pm من طرف محمود العياط
» جثَّة عريس في صندوق نفايات خانت زوجها مع والده من دون أن تعلم
الأحد ديسمبر 15, 2013 8:14 am من طرف بحر
» جزائرى ضبط زوجته وهى تمارس الجنس مع عمها على فراش الزوجية
الثلاثاء ديسمبر 10, 2013 5:17 am من طرف jama
» قصيدة غدا سنهبط فوق الشمس محمود العياط
الثلاثاء ديسمبر 10, 2013 5:11 am من طرف jama
» قصيدة فى صمت البحور محمود العياط
السبت نوفمبر 16, 2013 5:10 pm من طرف محمود العياط
» هل تريد أن أدلك على فكرة تزيد بها دخلك الأن وفوراً ؟
الأحد نوفمبر 10, 2013 9:54 am من طرف راكد
» _.-*أمــيرتي*-._الــتي اهـواهـا
الأحد نوفمبر 10, 2013 9:49 am من طرف راكد
» اهداء لمن احب ...........
الأحد نوفمبر 10, 2013 9:48 am من طرف راكد
» تجربة مريرة .. في رياض ليس للإسلام فيها إلا ما ندر
الأحد نوفمبر 10, 2013 9:46 am من طرف راكد
» عايز أقول
الأحد نوفمبر 10, 2013 9:45 am من طرف راكد
» نصيحة معلم
الأحد نوفمبر 10, 2013 9:44 am من طرف راكد
» رحماك يا أمي
الأحد نوفمبر 10, 2013 9:43 am من طرف راكد
» قصيدة الى مريم السورية
الأحد نوفمبر 10, 2013 9:42 am من طرف راكد
» قصيدة بيروت فى طبول الحروب محمود العياط
الأحد نوفمبر 10, 2013 9:42 am من طرف راكد
» السيسي رئيسا لمصر .. النتيجة الطبيعية بصرف النظر عن الانقلاب الذى قام به
الثلاثاء أكتوبر 22, 2013 5:26 am من طرف راكد
» سعودية تهدد باللجوء للسفارة الأمريكية بعد ضبطها بخلوة غير شرعية
الإثنين أكتوبر 21, 2013 10:27 am من طرف الملهم
» أربع أخطاء طبية شائعة تؤثر على صحتك
الخميس أكتوبر 10, 2013 10:24 am من طرف الصعيدى