محيط – سميرة
سليمان
تحل ذكرى رحيل المفكر المصري عبد الرحمن بدوي في 2002، والذي يعد أحد أشهر فلاسفة
القرن العشرين ولكنه أيضا كان يثير غضب مجموعة أخرى من شرائح المجتمع بسبب آرائه
الوجودية الصادمة وخاصة في بداياته، وقد حاول د. سعيد اللاوندي في كتابه الهام "عبد
الرحمن بدوي فيلسوف الوجودية الهارب إلى الإسلام" أن يزيل اللبس عنها ، كاشفا غموض
سيرة حياة بدوي الصادرة في جزأين والتي أثارت اللغط هي الأخرى والتي هاجم فيها
عبدالناصر ورموز مصرية بارزة .. في السطور القادمة نقلب بصفحات
الكتاب.
هاجم بدوي في مذكراته الكثير ممن اعتبرهم المثقفون
العرب رموزا للفكر، كما هاجم بقوة النظام المصري وحكم جمال عبد الناصر، واتهم رموزا
سياسية منها سعد زغلول بالعمالة للبريطانيين، وطه حسين بالعمالة للأجهزة الأمنية،
واعتبر الطلاب جواسيس على بعضهم البعض، مشيرا إلى أن قيام عبد الناصر بتأميم قناة
السويس كان سعيا وراء الشهرة!.
يقول اللاوندي في مقدمة كتابه: اختار بدوي أن يعيش
وحيدا ومغتربا في باريس، يسكن في فندق شهير يقع في قلب الحي اللاتيني هو فندق
لوتيسيا الذي كان يسكن فيه أستاذه طه حسين حتى عام 1948 وهو أعزب لم يشأ أن ينشئ
أسرة أو ينجب أطفالا مكتفيا بهموم الفكر ومستعذبا حياة "التفلسف" ، كما يتذكر
اللاوندي كم ظل هذا الفكر يؤنس أفكاره طوال سنوات غربته بباريس التي امتدت إلى
ثمانية عشر عاما منذ عام 1980 وحتى أوائل عام 1998 .
وردا على اتهام بدوي بالإلحاد – فالنظرية الوجودية
الغربية تؤسس لحرية الفرد بعيدا عن تأثير القوة الإلهية- يؤكد مؤلف الكتاب أن بدوي
انتهى من رحلته الفكرية الطويلة مؤمنا مسلما ولذلك رأى أن واجبه يحتم عليه أن يدافع
عن الإسلام باعتباره الدين الصحيح لأنه دين الدنيا والآخرة، حتى أنه حدثه ذات يوم
عن حزنه الشديد لأن كل من "هب ودب" في الغرب بات يعطي لنفسه الحق في الحديث عن
الإسلام وترجمة قرآنه المجيد.
اللقاء الصدمة
بدوي في الجامعة |
اللاوندي عن اللقاء الصدمة الذي جمعه بالدكتور بدوي قائلا: أول مرة سمعت باسم
الدكتور عبد الرحمن بدوي كان في شتاء عام 1980 باحدى قاعات قسم تاريخ الفلسفة في
جامعة السوربون عندما حضرت درسا في الفلسفة مع زميل عراقي وأدهشني أن البروفيسور
الذي يشرح الدرس كان يكثر من إحالاته واستشهاداته بنصوص لمفكر يخصه باحترام وتقدير
بالغين هو الدكتور عبد الرحمن بدوي الذي سألت عنه زميلي بعد الدرس فأجابني أنه مفكر
مصري من الوزن الثقيل يقوم بجهود مضنية في مجال تحقيق التراث.
بحثت عن مؤلفاته وقرأتها وكنت أقف مبهورا أمامها،
وانكببت طوال هذه الفترة من حياتي الأولى في باريس لا أقرأ سوى بدوي، الذي أعترف
بأنه قد بهرني بجزالة أسلوبه وبأفكاره .
يواصل: ثم علمت من زميلة لي لبنانية أن الفيلسوف الذي
شغفت به حبا لا يزال حيا، على الفور توجهت إلى مبنى منظمة اليونسكو الذي أخبرتني
زميلتي أنه يحاضر فيه حول الفيلسوف اليهودي ابن ميمون صاحب كتاب "دلالة
الحائرين".
الغريبة ما رواه اللاوندي من أنه حين أسرع لمصافحة
الفيلسوف، رمقه الأخير بنظرة شرسة وأبعد ذراعه قائلا: " اغرب عن وجهي ولا تضيع
وقتي"، ومرت الأيام ثقيلة عليه بسبب قسوة الدكتور بدوي التي علم بعدها أنها جزء من
أسلوب حياة فرضه على نفسه ليمنع كل من يحاول الاقتراب منه!
دفاع عن الإسلام
يقول اللاوندي في كتابه: كانت علاقتي بالدكتور بدوي لا
تخلو من مودة وكثير من المناوشة فهو يرفض أن أجري معه أي حوارات، وفي الوقت ذاته
إذا لقيني بطريق المصادفة غالبا لا يكف عن الكلام والحديث عن كل
شئ.
وإذا سألته عن قضية ما تمنع وراوغ وإذا لم أسأله تطوع
هو بالسؤال والإجابة معا فيخرج من قضية إلى أخرى دون قيود، وقد أتاحت إقامتي
الباريسية طوال ثمانية عشر عاما أن ألقاه عشرات المرات وأن أتحدث إليه كثيرا
وطويلا، سألته ذات يوم هل تعتقد أن الغرب يخاف من الإسلام أجاب قائلا: "طبعا،
فالغرب فيما يتعلق بالإسلام يكيل ليس بمكيالين فقط ولكن بعشرة أو ربما بمئة مكيال،
فهو أكثر عنصرية ووحشية مع الإسلام مما يمكن أن نتصور وإذا أردت الدليل فاذهب إلى
المكتبات التي تحيط بنا لتجد عشرات الكتب التي تقطر سما على الإسلام".
عبدالرحمن بدوي |
الأشياء التي كانت تؤلم الدكتور عبد الرحمن بدوي أن جمهور المسلمين لم يهتموا
بكتاباته الإسلامية الأخيرة التي أخذ فيها موقع المدافع عن الإسلام، فيقول
اللاوندي: حدثني الدكتور بدوي عن كتابين له يعتز بهما أيما اعتزاز الأول بعنوان
"دفاع عن القرآن ضد منتقديه"، والثاني بعنوان "دفاع عن حياة محمد ضد الطاعنين
فيها".
وذكر بدوي أنه تألم كثيرا لأن باحثا يهوديا يدعى
"أندريه شوراكي" كان يشغل منصب عمدة القدس قام بوضع ترجمة للقرآن الكريم قال عنها
بدوي إنها عار على الترجمة والمترجمين في كل زمان لأنها مليئة بالاعتداءات الصارخة
على قداسة النص القرآني، فشوراكي هذا استوحى معانيه ومدلولاته في الترجمة من ألفاظ
حسية كان من نتيجتها أن امتلأ النص المترجم بتعبيرات فاضحة.
وعلى الرغم من ذلك – يتابع اللاوندي - كان المثقفون
العرب يندهشون من إسلاميات الدكتور عبد الرحمن بدوي كيف وهو المفكر الذي ظل لسنوات
طويلة وفيا للفكر الوجودي يروج له في الشرق العربي يصبح بين عشية وضحاها مدافعا عن
الإسلام وقرآنه ونبيه، يقول بدوي عن هذه القضية: "إنني أناضل منذ بداية حياتي
الفكرية على جبهتين، جبهة الفلسفة العامة بما فيها الفلسفة الوجودية، وجبهة الفكر
الإسلامي وليس ثمة تناقض بينهما على الأقل في مجال البحث وتاريخ
الأفكار".
معارك بدوي
يرى اللاوندي أن بدوي كان قاسيا جدا في نقد الآخرين،
وبسبب ذلك دخل معارك عدة منها ما قاله عن العقاد حيث كان يراه رجلا هامشيا، لا يعرف
مناهج البحث الأكاديمية فهو لم يكن أكثر من مجرد قارئ، بل وينفي أنه كان في يوم من
الأيام مفكرا أو شاعرا ، متهما إياه بأن ثقافته القشرية لم تكن تسمح له بأكثر من
التعليق على بعض المقالات التي تتضمنها مطبوعة الملحق الأدبي
الإنجليزية!.
هكذا أيضا كان يكره المفكر الجزائري محمد أركون الذي
يعد في نظر بدوي ليس أكثر من تلميذ في مدرسة الاستشراق الاستعمارية الكبرى التي تضع
نصب عينيها كهدف ثابث تشويه الإسلام والإساءة إلى نبيه، والطعن في قرآنه المجيد ثم
هو يحيط نفسه بمزاعم معرفية لا أساس لها.
ويروي اللاوندي أن بدوي كان على خصام مع جامعة
السوربون حيث شن هجوما ضاريا على قسم الدراسات العربية والإسلامية الذي رأه ضحلا
وغير مجد، كما نصح الطلاب الوافدين إلى فرنسا بعدم الدراسة في هذه الجامعة لأنهم
يضيعون وقتهم فلقد انتهت هذه الجامعة منذ زمن حينما كان يدرس بالقسم ماسينيسون
وزملاؤه من المستشرقين الجادين.
بدوي والثورة
اللاوندي في كتابه ما قاله أخوه ثروت بدوي عن علاقته بالثورة: يخطئ من يعتقد أن
الدكتور عبد الرحمن بدوي من أعداء ثورة يوليو فالعكس هو الصحيح لأنه كان من أشد
المتحمسين لها، واثقا من أنها سوف تحقق لمصر الخير.
كما كان مقربا من الثورة التي اختارته لاحقا مستشارا
ثقافيا لمصر في سويسرا، المشكلة التي حدثت بين الدكتور والثورة كانت بسبب الوشايات
والحاقدين الذين زعزعوا ثقة رجال الثورة فيه فقد تكاثر الحاقدين بعد التقديم الشهير
الذي أطلقه الدكتور طه حسين والذي قال فيه عقب حصول الدكتور عبد الرحمن بدوي على
درجة الدكتوراة "للمرة الأولى نشاهد فيلسوفا مصريا".
كما أن الثورة تنكرت له وفرضت الحراسة على أطيانه
الزراعية في مسقط رأسه قرية "شرباص" ورغم ولع الدكتور عبد الرحمن بدوي بالزراعة إلا
أن هذا الأمر لم يغضبه كثيرا، وإنما خشى أن يمنعوه من السفر!.
ولذلك ترك مصرغادر إلى فرنسا عام 1962، وكان قد
عمل كأستاذ زائر في عديد من الجامعات العربية في لبنان، وليبيا، وطهران، الكويت
واستقر في باريس.
وفي ليبيا دخل المعتقل هناك فقد كان العقيد القذافي في
زيارة إلى جامعة بنغازي ودارت مناقشة مع بعض طلبتها لم يرض عنها فأمر باعتقالهم
جميعا، فأشار عليه أحد المحيطين به أنه لابد من اعتقال "الأستاذ" الذي علمهم ما
قالوه، وأصابته نوبة اكتئاب حادة في معتقلات ليبيا بعد أن اتهموه بالهرطقة وإفساد
الشباب، ولولا تدخل أشرف مروان – صهر الرئيس عبدالناصر- لما أطلقوا
سراحه.
وقال أخو الفيلسوف: دفعه حرصه على عدم تضييع وقته فيما
لا يفيد وخوفه من الناس وعدم ثقته فيهم إلى حالة من "البخل الأليم" في الأموال
والمشاعر، ثم هو بعد أن بلغ من العمر عتيا يشعر بالندم لأنه لم يتزوج في وقت مبكر
حيث اختار بعد تخرجه من الجامعة طريق العزوبية إلى الأبد لأنه أدرك أن تكوين بيت
وأسرة وأولاد سيأتي حتما على حساب البحث العلمي والاستغراق
فيه.
يقول اللاوندي: حين سألت عبد الرحمن بدوي هل تعرف في
مصر أنهم يقترحون ترشيحك لجائزة نوبل؟ أجابني قائلا: "ما أسهل أن يتم هذا الترشيح
لكن لا تنس أن "أهل الحل والعقد" في هذه المسألة هم أعضاء الأكاديمية السويدية، ولا
اعتقد أنهم سيوافقون على منح جائزة نوبل لشخص عربي آخر بعد نجيب محفوظ إلا بعد
عشرات أخرى من السنين، وأضاف ضاحكا: على كل حال إن أهم ما في هذه الجائزة ليس
قيمتها الأدبية فكلنا يعرف الاعتبارات السياسية والعرقية التي تضعها الأكاديمية
السويدية نصب أعينها قبل منحها لأي شخص وهو ما يجعل قيمتها الأدبية تتقلص
كثيرا".
الأحد يونيو 21, 2015 5:19 am من طرف الملهم
» اعترافات مثيرة لطباخ طليق حنان ترك المتهم بالشذوذ أمام النيابة
الأربعاء مايو 27, 2015 6:50 am من طرف jama
» اعترافات مثيرة لطباخ طليق حنان ترك المتهم بالشذوذ أمام النيابة
الأربعاء مايو 27, 2015 6:18 am من طرف jama
» تغريم فندق منع عريس من الإنضمام إلى غرفة عروسه وقام الأمن بإنتزاع هاتفه الجوال منه
الأربعاء مايو 27, 2015 6:15 am من طرف jama
» فيس بوك تبدأ بتقديم مراجعات نقدية للمطاعم على شبكتها الاجتماعية
الأربعاء مايو 27, 2015 6:13 am من طرف jama
» علا غانم: أنا “موززة” والشباب المصري محتاج يتربى
الأربعاء مايو 27, 2015 6:10 am من طرف البتراء
» بالصور: أحلام تفاجئ جمهورها بقصة شعرها الجديدة!
الأربعاء مايو 27, 2015 6:09 am من طرف البتراء
» قصيدة نهاية العالم
الأربعاء يوليو 23, 2014 5:25 pm من طرف محمود العياط
» قصيدة فضل المسلم
الأربعاء يوليو 23, 2014 5:22 pm من طرف محمود العياط
» جثَّة عريس في صندوق نفايات خانت زوجها مع والده من دون أن تعلم
الأحد ديسمبر 15, 2013 8:14 am من طرف بحر
» جزائرى ضبط زوجته وهى تمارس الجنس مع عمها على فراش الزوجية
الثلاثاء ديسمبر 10, 2013 5:17 am من طرف jama
» قصيدة غدا سنهبط فوق الشمس محمود العياط
الثلاثاء ديسمبر 10, 2013 5:11 am من طرف jama
» قصيدة فى صمت البحور محمود العياط
السبت نوفمبر 16, 2013 5:10 pm من طرف محمود العياط
» هل تريد أن أدلك على فكرة تزيد بها دخلك الأن وفوراً ؟
الأحد نوفمبر 10, 2013 9:54 am من طرف راكد
» _.-*أمــيرتي*-._الــتي اهـواهـا
الأحد نوفمبر 10, 2013 9:49 am من طرف راكد
» اهداء لمن احب ...........
الأحد نوفمبر 10, 2013 9:48 am من طرف راكد
» تجربة مريرة .. في رياض ليس للإسلام فيها إلا ما ندر
الأحد نوفمبر 10, 2013 9:46 am من طرف راكد
» عايز أقول
الأحد نوفمبر 10, 2013 9:45 am من طرف راكد
» نصيحة معلم
الأحد نوفمبر 10, 2013 9:44 am من طرف راكد
» رحماك يا أمي
الأحد نوفمبر 10, 2013 9:43 am من طرف راكد
» قصيدة الى مريم السورية
الأحد نوفمبر 10, 2013 9:42 am من طرف راكد
» قصيدة بيروت فى طبول الحروب محمود العياط
الأحد نوفمبر 10, 2013 9:42 am من طرف راكد
» السيسي رئيسا لمصر .. النتيجة الطبيعية بصرف النظر عن الانقلاب الذى قام به
الثلاثاء أكتوبر 22, 2013 5:26 am من طرف راكد
» سعودية تهدد باللجوء للسفارة الأمريكية بعد ضبطها بخلوة غير شرعية
الإثنين أكتوبر 21, 2013 10:27 am من طرف الملهم
» أربع أخطاء طبية شائعة تؤثر على صحتك
الخميس أكتوبر 10, 2013 10:24 am من طرف الصعيدى